الخميس، 7 يناير 2010

Superfuturism


Superfuturism


Hassan Ajami

Superfuturism is a philosophical theory according to which history begins in the future. In other words , only in the future the essences of things are determined
This is why superfuturism analyzes the different concepts in terms of the future
For example, superfuturism claims that truth is the scientific decision in the future

Now, since truth is the scientific decision in the future, and given that the future is not completely realized in the present and the past, it follows that we should continue searching for the truth. This is how superfuturism guarantees the continuity of the scientific inquiry and expresses the fact that science is a continuous endeavor. This is the first virtue of superfuturism

In addition , since truth is the scientific decision in the future, and scientific decisions are carried out by scientists, it follows that truth is conceptually linked to humans, and thus, it is possible for us to know the truth . This is how superfuturism guarantees the possibility of knowledge, and this is its second virtue . Furthermore, since truth is the scientific decision in the future, and science represents reality, it follows that truth corresponds to reality . This is how superfuturism is able to express the conceptual connection between truth and reality , and thus it acquires its third virtue. In light of these virtues, it seems that superfuturism is acceptable

Superfuturism differs from futurism. While futurism studies the future in light of the present and the past, superfuturism studies the present and the past in light of the future. Superfuturism relies on the future in order to understand what is occurring in the present and what happened in the past. And it does that through analyzing the different concepts in terms of the future

السوبر تخلف العقلي والسوبر دعارة الأدبية


السوبر تخلف العقلي والسوبر دعارة الأدبية


حسن عجمي

نشهد حالياً نمو السوبر تخلف وازدهاره. لكن السوبر تخلف يصطحب معه السوبر ارهاب والسوبر دعارة. نرتحل هنا الى عوامل تخلفنا في محاولة ان نفهم من نحن اليوم.

السوبر تخلف

نحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق ونستغل العلوم من اجل نشر الجهل. يختلف السوبر تخلف عن التخلف اختلافاً جذرياً. فبينما الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا ينتج ما هو مفيد للعلم والبشرية، الشعب السوبر متخلف هو الشعب الذي يطوّر التخلف من خلال استخدام العلم من اجل التجهيل. وهذا ما نجيد القيام به.
مثل ذلك هو ان الوظيفة الأساسية لمعظم مدارسنا وجامعاتنا ووسائل اعلامنا كامنة في نشر العداوة والتعصب بين القبائل الطائفية والمذهبية المختلفة. فلكل قبيلة طائفية أو مذهبية وسائل اعلامها ومدارسها وجامعاتها الهادفة الى تحقير سلوك ومعتقدات القبائل الطائفية والمذهبية الأخرى وتدعيم العداوة معها. هكذا نستغل العلم ووسائله من اجل التجهيل. فبدلاً من ان تخرج جامعاتنا علماء ومثقفين، تخرج ارهابيين صغاراً ينتمون الى هذه القبيلة او تلك. من هذا المنطلق ايضاً، تزدهر على شاشات الانترنت دعاوى التكفير والتخوين ضد بعضنا البعض. من هنا نستخدم التكنولوجيا من اجل نشر الجهل وتطويره. وهذا ما يصدق ايضاً على التلفزيون وفضائياته. فكل عصابة لها وسائل اعلامها كي تساهم بقوة في بناء سوبر تخلفنا. فبدلاً من ان نرى البرامج الثقافية على شاشاتنا، نراقب صراع القبائل الطائفية والمذهبية بخطابات خالية من اية موضوعية ومنطق. هكذا نعلم اطفالنا ان يكونوا مثلنا ارهابييين وطائفيين وعنصريين وغير منطقيين. ونفرح بانجازاتنا الكلامية الفارغة التي تترجم الى حروب اهلية دائمة في شوارع مدننا العربية.
تتنوع تجسدات السوبر تخلف منها اننا نعتمد على اقوال ونظريات العلماء في الغرب كي نشرّع انظمتنا الدكتاتورية ونبرر اقتتالنا الاهلي المستمر. فكل انظمتنا العربية دكتاتورية ومنها النظام اللبناني الدكتاتوري في طائفيته. بالاضافة الى ذلك، تفتقر معظم كتبنا ونصوصنا المعاصرة الى اي اسس عملية وتعارض كل مبدأ من مبادئ المنطق. فلا نجد أصلاً كتباً علمية في مكتباتنا، وما نتعلمه من علوم يغدو سلاحاً موظفاً في يد هذا الطاغية الكبير أو الصغير من اجل قتل منافسيه. وتحتشد اليوم آليات رفض المنطق في نصوصنا وكتبنا، وبذلك أمست الكتابة اداة هدفها تطوير التخلف والجهل. فمعظم ما نكتب يتضمن تناقضات قاتلة ويحتوي على المصادرة على المطلوب والدور وهو تعريف الشيء بالشيء نفسه كتعريف الماء بالماء الخ. من هنا، ليس من المستغرب ان نكون طائفيين وعنصريين. فبمجرد ان نرفض العلم والمنطق، من الطبيعي حينها ان نحيا في بناء احقادنا وكراهيتنا للآخر. فالعلم يتضمن الموضوعية والتفكير السليم وبهما لا ينمو حقد ولا كراهية. فلا توجد طبقة علماء بيننا، بل ثمة فقط طبقات من أحقاد تعلو فوق احقاد لا متناهية.
كما نفشل في مراعاة المنطق ومبادئه وفي قبول العلم والمشاركة في صياغته، نفشل ايضاً في بناء عبارات ذات معانٍ ما جعلنا نكتسب صفة السوبر تخلف عن جدارة. فلا نعرف ما الذي يجعل العبارة ذات معنى ما ادى الى تخبطنا في عبارات ونصوص وخطابات خالية من أية معانٍ. من هنا، أمسى معظم ادبنا لعباً على الكلمات مفتقراً الى اي معنى ومضمون وهدف. فلا يعلم معظم مدعي الثقافة والمبادئ التي لا بد من الالتزام بها من اجل صياغة عبارات ذات معنى. فمثلاً، عبارة "العدد سبعة متزوج" عبارة بلا معنى كما يتفق كل العقلاء في العالم. لكن معظم نصوصنا شبيهة بها وتبنى على ضوئها. وسبب ذلك اننا لم نتعلم من محيطنا وفي مدارسنا وجامعاتنا سوى استخدام العلم من اجل التجهيل.
لا بد ان نطرح السؤال التالي: لماذا نرفض العلم والمنطق ونستغل العلوم من اجل نشر الجهل وتطويره؟ يكمن الجواب في اننا نؤمن باليقينيات. فالعلم عملية تصحيح مستمرة بحيث تستبدل النظريات العلمية بنظريات عملية أخرى عبر التاريخ. وبما ان العلم عملية تصحيح مستمرة، اذن لا يقينيات في العلم. من هنا، بما انه لا توجد يقينيات في العلم، وبما أننا نؤمن باليقينيات، اذن من غير المستغرب ان نرفض العلم وما يتضمن من معارف وموضوعية ومنطق وأن نكتسب بذلك صفة السوبر تخلف الفائق. والعلم أساس المجتمع والديمقراطية. من هنا، بما أننا نرفض العلم، اذن من المتوقع ان نخسر المجتمع وان لا تنشأ الديمقراطيات لدينا. هكذا تفسّر فرضية السوبر تخلف لماذا فقدنا المجتمع وانقسمنا الى قبائل طائفية ومذهبية ولماذا لا توجد الديموقراطية في أوطاننا الافتراضية. فمن تجليات السوبر تخلف اننا قبائل متصارعة واننا لا نشكل مجتمعاً اصلاً. والسبب الاساسي في ذلك اننا نرفض العلم ونستغله من اجل التجهيل.
الآن لا بد ان نبرهن ان العلم الاساس المجتمع والديمقراطية. بما ان العلم عملية تصحيح مستمرة، وبذلك لا يقينيات في العلم، اذن اذا قبلنا العلم وشاركنا في انتاجه سوف نتحرر من يقينياتنا نغدو غير متعصبين لما نعتقد، وبذلك نقبل الآخر المختلف في معتقده وسلوكه. وقبول الآخر اساس بناء المجتمع والديمقراطية؛ فالمجتمع يتكوّن من اختلاف افراده أما الديمقراطية فآلية لحفظ حقوق الأفراد في الاختلاف. من هنا، العلم مصدر المجتمع والديمقراطية وأساسهما. على ضوء هذه الاعتبارات، السبيل الوحيد نحو الخروج من سوبر تخلفنا يكمن في قبول العلوم والمشاركة في صياغتها. فبالعلم وحده نغدو بشراً ونكوّن مجتمعاً ونبني ديمقراطية الحقوق الانسانية.

السوبر ارهاب

لسنا سوبر متخلفين فقط، بل نحن ايضاً سوبر ارهابيون. يختلف السوبر ارهاب عن الارهاب. فبينما الإرهاب هو قتل اجساد الأبرياء، السوبر ارهاب قتل انسانية الانسان. وهذا ما نجيد فعله بامتياز. ثمة آليات مختلفة للسوبر ارهاب منها خصخصة الثقافة والانسان. لقد تخصخصت الثقافة بالفعل فانتشرت العصابات الثقافية. فكل عصابة ثقافية تدافع عن اعضائها وتروج لمشروعها المتخلف وتقاتل العصابات الثقافية الأخرى. ومن لا ينتمي الى عصابة ما يبقى خارج لعبة ثقافتنا الكاذبة. فلكل وسيلة اعلامية عصابتها التي تكتفي بالدعاية لأفرادها واصدقائهم وتعادي الوسائل الاعلامية الاخرى. هكذا تحول الاعلام لدينا الى وسيلة قتالية ما يتضمن ان الثقافة ذاتها تحوّلت الى سلاح في يد الطغاة الصغار والكبار. في زمن السوبر ارهاب يغدو الفرد خاصة هذه المؤسسة الثقافية او الاقتصادية، وبذلك يفقد انسانيته. فمتى تحوّل المثقف مثلاً الى خاصة هذا الطاغية او تلك المؤسسة، يخسر حريته ويسجن في قيود طغاته ما يضمن فقدانه لإنسانيته. مع خصخصة الإنسان لا مفر من ان تتخصخص الثقافة أيضاً والعكس صحيح لأن الانسان هو هذه الثقافة او تلك.
نحن نجيد قتل انسانية بعضنا البعض من خلال وسائل عدة منها القمع الجسدي ولانفسي والعقلي الذي نمارسه ضد الآخر منا. وما خصخصة الانسان وثقافته سوى وجه من وجوه السوبر قمع يسيطر على وجودنا الافتراضي. فمع خصخصة الانسان والثقافة يمسي الانسان اداة في يد المشاريع التي خصخصته، وبذلك يقع تحت سطوة السوبر قمع الذي يحوّلنا الى مجرد أدوات. بالفعل، لا يوجد انسان في عالمنا العربي. فالانسان مجموعة حقوق. لكن الحقوق غائبة. بذلك لا انسان لدينا. لم نخسر المجتمع فقط، بل خسرنا الانسان ايضاً واصبحنا خارج الحضارة. هذا متوقع لانه لا يوجد انسان خارج المجتمع والحقوق المدنية.
بالاضافة الى ذلك، السوبر ارهاب اصل السوبر تخلف ومصدره. السوبر ارهاب هو قتل انسانية الانسان بينما السوبر تخلف هو استخدام العلم من اجل التجهيل.
وبما انه فقط الفاقد لإنسانيته يستخدم العلم من اجل التجهيل، اذن السوبر ارهاب اساس السوبر تخلف، من الطبيعي ان تغزونا حروبنا الاهلية وان نحيا بل ان نموت باستمرار في قبور تجدادنا. لقد دخلنا حقبة جديدة في حقبة السوبر تخلف والسوبر ارهاب، لذا من غير المستغرب ايضاً ان تجتاحنا السوبر دعارة.

السوبر دعارة

بينما الدعارة هي بيع الجسد من اجل المال، السوبر دعارة هي بيع الفكر والكلمة مقابل المال. لقد انتقلنا من شعوب داعرة الى شعوب سوبر داعرة الى شعوب سوبر داعرة. فمعظم مدعي الثفافةهبيد لدى الوسائل الاعلامية والثقافية والاقتصادية لكونهم يبيعون اقلامهم ومواقفهم من اجل تحسين اوضاعهم الاقتصادية.والدليل على ذلك تحوّل العديد من اتباع اليسار السياسي الى مخيم الاصولية. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانقطاع تدفق امواله علينا غيّرنا مواقفنا وكتاباتنا من اجل مصلحة الأصولية التي تدفع اليوم اكثر من غيرهاز اما معظم المتآمرة منا فلم تجد مصدراً لمعيشتها سوى في منابر ومؤسسات الغرب او التابعة للغرب. هكذا نبيع انفسنا كل يوم من اجل دولار اضافي. في زمن السوبر دعارة يستحيل علينا معرفة من ينتمي الى اية ايديولوجيا. فامسى نقل البندقية الفارغة من حزب او موقع الى آخر سمة اساسية لنا.
بما ان السوبر دعارة هي بيع الفكر والقلم الذي يدفع أكثر، اذن تشير السوبر دعارة ايضاً الى حقيقة اننا نكتب ونروج لهذه "الثقافة" او تلك على ضوء ما يطلبه السوق. فإذا كانت الكتب الاباحية هي المطلوبة اكثر من غيرها، نجد حينها اننا اصبحنا نكتب روايات ومقالات اباحية كي نكسب مالاً اكثر وشهرة اكبر. وهذا ما يحدث اليوم في عالمنا العربي. لقد تحوّلت الثقافة الى سلعة رخيصة في سوق الخضار. والآن نرى ان مكتباتنا تزدهر بحشد كبير من الكتب الاباحية كالروايات الجنسية لانها مرغوبة وسوقها التجاري مربح جداً. كما نشهد اليوم نشوء العيد من المجلات المتخصصة في نشر الاباحية الجنسية، وهذا غير مستغرب بما اننا عبيد السوق الثقافي الكاذب. هذه الكتب والروايات والمجلات الجنسية تتخذ صفة الكتب والمجلات الثقافية. وهنا تكمن خطورتها. فالعديد مما يصوّرهم الاعلام المخادع على انهم ادباء وشعراء ومثقفون كبار باتوا يكتبون في تلك المجالات والمجلات الجنسية ويدعمونها. هذا يدل على السوبر دعارة لاننا نحوّل الثقافة الى دعارة واباحية فنستخدم معارفنا من اجل خدمة اسواق العاهرات والعاهرين. لقد امسينا دعاة للاباحية اي اصبحنا قوادين. فمن دعارة السياسة الى دعارة الاقتصاد ومن ثم الى دعارة الثقافة تنمو اليوم ثقافة الدعارة لأنها المطلوبة في سوق التبادل التجاري. لقد فشلنا في ان نكون تجاراً ناجحين، لكننا نجحنا في ان لا نكون. لا تكمن المشكلة في الادب الجنسي والعلاقات الجنسية خارج الزواج، بل المشكلة قائمة في اننا نروّج للإباحية والدعارة على أنهما ثقافة. وهذا جوهر السوبر دعارة.
لكن لماذا تحوّلت الثقافة الى سوبر دعارة؟ بمعنى آخر، لماذا لا نكتب كتباً علمية ونصدر مجلات علمية بدلاً من أن نكتب كتباً جنسية ونصدر مجلات اباحية؟ هكذا تتضح الاجابة على النحو التالي: نحن نرفض العلم، وكل الميادين الابداعية الاخرى كالفلسفة والادب الحقيقي تعتمد على العلوم بشكل مباشر او غير مباشر. من هنا، من المتوقع ان نتخلى عن الكتابة في العلم والفلسفة والأدب وان نكرّس افكارنا البالية واقلامنا المأجورة لخدمة الثقافة الجنسية الفاشلة دوماً في شرقنا. هذا يعني اننا حولنا الثقافة الى سوبر دعارة لاننا نرفض العلم وما يتضمن من منطق ومبادئ.
بالاضافة الى ذلك، نجح حالياً الأدب الجنسي اعلامياً وتجارياً، لكنه فاشل ثقافياً لاننا ما زلنا في زمن السوبر تخلف. في عصر السوبر تخلف نستخدم العلم من اجل التجهيل، لذا من الطبيعي ان نستغل الأدب ايضاً من اجل نشر الجهل ودعم التخلف العقلي والجسدي. فلم يقدّم "ادبنا الجنسي" سوى ما قد نراه اوضح واجمل في الافلام الاباحية الغربية. هكذا نسرق ما ينتجه الغرب ونشوهه من اجل خدمة مصالح الجهل والتخلف. فالحرية الجنسية جزء من الحريات الموجودة في الغرب التي نرفضها نحن اليوم من خلال انقسامنا الى قبائل طائفية ومذهبية مقاتلة.
وبذلك يستحيل على "أدبنا الجنسي" ان يدعونا الى الحريات ولذا فشلت هذه الآداب اي قلة ادبنا في تتحقيق اي بُعد انساني لنا. فالانسان مرفوض لدينا اصلاً.






إلـه مـا بعـد الحداثـة فـي مواجهـة إلـه الحداثـة


إلـه مـا بعـد الحداثـة فـي مواجهـة إلـه الحداثـة
هويــة الإنســان وماهيــة الكــون




حسن عجمي


نبحث في هذا المقال عن هوية الإنسان وماهية الكون لنصل الى المواجهة بين إله الحداثة وإله ما بعد الحداثة. والكلمة الأخيرة للقارئ لأنه لا كاتب كما لا نص إلا في ظن قارئه. لا محددية الأنا يؤكد الفيلسوف توماس متزنغر على أن الأنا غير موجودة، فيقول إنها بناء نظري مجرد. فأنا الفرد التي هي هويته ليست سوى أداة ناجحة في فهم الآخر والتعامل معه على ضوء قراءة أفكاره. ومن خلال الهوية التي نبنيها لأنفسنا نتعاون مع الآخرين فتنمو المجتمعات المعقدة. من هنا، هوية الإنسان مجرد وهم ابتدعناه لذواتنا كي نحدّد علاقاتنا مع المحيط والآخر. يقدّم متزنغر أدلة عدة على صدق اطروحته منها الدليل التالي: اظهرت الاختبارات في علم النفس ان الأفراد الأصحاء يختبرون الاطراف الاصطناعية، كالأيدي الاصطناعية، على انها أجزاء من أجسادهم ومن هويتهم. لكن هي طبعاً ليست كذلك. على هذا الاساس، هوية الإنسان بناء فكري مجرد صنعه كل فرد لنفسه ولا يوجد ما يطابقه في الواقع. ومفاد الاختبار هو أن الفرد المختبر ينظر الى يد مطاطية أمامه أما يده الحقيقية فمخفية عنه. ومن ثم تضرب يده واليد المطاطية في آن. وبعد وقت من تكرار تلك الضربات المتشابهة يختبر الفرد اليد الاصطناعية على أنها يده فيشعر بالضربات عليها رغم ان يده الحقيقية لم تضرب. هكذا هوية الفرد صورة يصوغها العقل ولا حقيقة لها (Thomas metzinger: The Ego Tunnel. 2009. Basic Books). بالإضافة الى ذلك بيّنت الاختبارات النفسية أيضاً أن الأفراد الذين يخسرون أطرافاً من أجسادهم يظلون يشعرون بها كالذي يشعر بألم في يده رغم عدم وجودها. ويملك بعض الأفراد يداً غريبة عنهم تحاول خنقهم رغم انها يدهم فيدافعون عن أنفسهم بيدهم الأخرى. هكذا هوية الإنسان من صنع خياله. وبعض المرضى يتوقفون عن استعمال كلمة «أنا» في اية عبارة ويدعون انهم غير موجودين اصلاً. بذلك الأنا وهم اخترعناه لتلبية حاجتنا (المرجع السابق). لكن كل هذه الأدلة لا ترينا انه لا يوجد أنا او هوية، بل تدلنا على انه من غير المحدّد ما هي الأنا والهوية. فإذا كان الممكن ان نخسر الأنا (كما في اختبار الذين يؤكدون عدم وجودهم) او نكتسبها (كما في اختبار اليد الاصطناعية) فهذا لا يتضمن انها غير موجودة بل يشير بقوة الى انها غير محددة، ولذا من الممكن ان نخسرها او نكتسبها. وإذا كانت الهوية بناء فكرياً مجرداً فهذا لا يدل على انها غير موجودة بل على انها معتمدة في وجودها على ظننا وعقولنا فتختلف باختلاف ما نعتقد وبذلك هي غير محدّدة. لا محددية الكون ما يصدق على الأنا يصدق على الكون كله. فميكانيكا الكم تؤكد على ان اللامحدد يسيطر على عالم ما دون الذرة. بالنسبة الى ميكانيكا الكم، من غير المحدّد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم موجة كما من غير المحدد سرعة الجسيم ومكانه في آن. لكن هذه النظرية العلمية الناجحة والمقبولة تعارض نظرية النسبية لأينشتاين. فبالنسبة الى النظرية النسبية، الكون محدّد على نقيض مما تدعيه نظرية ميكانيكا الكم. لكن كلاً من نظرية النسبية وميكانيكا الكم نظرية علمية ناجحة ومقبولة بامتياز. على هذا الاساس، سعى العلماء وما زالوا يسعون الى التوحيد بينهما وتخطي عقبة تعارضهما. من هنا، أنشأ العديد منهم وساهموا في بناء نظرية الأوتار العلمية بهدف التوفيق بين نظرية ميكانيكا الكم ونظرية النسبية لأينشتاين. بالنسبة الى نظرية الأوتار، يتكوّن الكون من أوتار وأنغامها. فمع اختلاف تذبذب الأوتار تختلف طاقات الكون ومواده. رغم ذلك، ثمة بلايين من الحلول لمعادلات نظرية الأوتار، وكل حل منها مقبول وناجح (Brian Clegg: Before the Big Bang. 2009. St. Martin’s Press). من هنا، يستحيل علينا قبول حل منها دون حل آخر. لكنها حلول مختلفة ومتعارضة. بذلك من غير المحدّد أي حل منها هو الحل الصادق والمطابق للواقع. على هذا الاساس يبقى اللامحدّد سيد العالم وحاكمه. فمن غير المحدّد أي صياغة لنظرية الأوتار هي الصياغة الصادقة كما من غير المحدّد ما إذا كانت النظرية النسبية أم نظرية ميكانيكا الكم هي النظرية الصحيحة. لذا ينجح كل من نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكم والصياغات والحلول المختلفة لنظرية الأوتار في وصف الكون وتفسيره. هكذا تنجح السوبر حداثة القائلة بأن اللامحدّد يحكم العالم في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية رغم اختلافها وتعارضها؛ فكل النظريات العلمية ناجحة رغم التعارض فيما بينها لأنه من غير المحدّد اية نظرية علمية هي النظرية الصادقة. من هنا، من غير المحدّد ما هي ماهية الكون. فبما انه من غير المحدّد ما هي النظرية العلمية الصادقة، وبما ان النظريات العلمية تفسر الكون وتصفه وبذلك من المفترض ان تحدّد ماهيته، إذن من غير المحدّد ما هي ماهية الكون. بالإضافة الى ذلك، يوضح العلماء ان الأوتار التي تتحدث عنها نظرية الأوتار ليست فعلاً أوتاراً كتلك التي نعهدها. هذا لأنها إذا كانت أوتاراً لكانت مكوّنة من الذرات وجسيماتها التي تريد نظرية الأوتار ان تفسرها من خلال الأوتار، وبذلك لفسرت نظرية الأوتار ذرات الكون وجسيماته من خلال ذراته وجسيماته، وهذا دور مرفوض كتفسير الماء بالماء. من هنا، أوتار نظرية الأوتار ليست أوتاراً. لذا لا مجال سوى ان نعتبر ان هذه الأوتار العلمية مجرد بناءات مجردة لديها تصرفات وذبذبات شبيهة بتصرفات الأوتار وذبذباتها. هذا ما يصدق على النظريات العلمية الاخرى. فالعلماء يشيرون الى انه من الممكن علمياً اعتبار الضوء جسيماً وموجة في آن. لكن الضوء ليس جسيماً وموجة في الوقت ذاته وإلا وقعنا في التناقض. من هنا، نظرية العلم في الضوء ليست سوى نموذج مجرد، ولكون الضوء جسيماً وموجة معاً ليس سوى بناء فكري مجرد. هكذا ايضاً من الممكن علمياً اعتبار المادة مكوّنة من جسيمات وموجات في آن، فمن غير المحدّد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم موجة بالنسبة الى ميكانيكا الكم. لكن ان تكون المادة مكوّنة من جسيمات وموجات مناقضة للجسيمات في الوقت نفسه ليس سوى بناء مجرد وإلا وقعنا في تناقض قاتل (المرجع السابق). على ضوء كل هذا نستطيع بحق ان نستنتج أنه من غير المحدد ما هي ماهية الكون تماماً. فبما أن الأوتار التي يفسر العلم بها الكون ليست حقا أوتاراً بل هي مجرد بناءات فكرية مجردة تماما كما الجسيمات والموجات التي يعتمد العلم عليها من أجل وصف الكون وتفسيره، إذن من غير المحدد ما هي هذه الأوتار فعلا وما هي تلك الجسيمات والموجات ما يدل على لا محددية الكون وماهيته. لكن رغم ذلك من خلال تلك الأوتار والجسيمات والموجات ينجح العلم في تفسير الكون. من هنا الكون غير محدد، لكن من خلال لا محدديته من الممكن تفسيره فمعرفته تماماً. لا محددية الله من جهة أخرى، سؤالنا عما إذا كان الكون محددا أم غير محدد يدعونا إلى التساؤل التالي: هل الله محدد أم لا؟ هذا ما تحاول كارن أرمسترونغ أن تجيب عليه في كتابها «البرهان على وجود الله». تميّز أرمسترونغ بين اتجاهين فكريين مختلفين جذرياً هما الحداثة وما بعد الحداثة. فإله الحداثة يختلف اختلافاً كبيراً عن إله ما بعد الحداثة. إله الحداثة إله شخصي ومحدد، أي له صفات وماهية محددة. فهو الذي خلق الكون وهو الذي يستجيب لدعاء أتباعه ويعاقب خصومه. هكذا هو إله شبيه بالانسان القوي التقي أي انه سوبر إنسان. والدين بالنسبة إلى الحداثة يقدّم معلومات ونظريات صادقة، أي قصصه عن الخلق وتاريخ الأنبياء والبشر هي قصص مطابقة للواقع كما أن النصوص الدينية بمثابة نظريات علمية. كل هذا يناقضه دين ما بعد الحداثة (Karen Armstronge: The Case for god. 2009. the bodley head). بالنسبة إلى ما بعد الحداثة، الدين ليس مجموعة معتقدات ونظريات بل هو مجرد ممارسة فعلية فيتجلى في طقوسه ومعاملة الفرد لنفسه وإدراكها وفي التصرف مع الآخرين. من هنا، دين ما بعد الحداثة لا يحدد ما يجب أن يعتقده ويؤمن به المؤمن. بل النص الديني غير محدد ما يجعل إله ما بعد الحداثة إلهاً غير محدد. تعتبر ما بعد الحداثة ان الله ليس إلهاً شخصياً ولا يملك ماهية وصفات محددة بل هو مجرد بل سوبر مجرد. من هنا، من غير الممكن معرفته حق المعرفة كما من الخطأ التساؤل عما هو وما يفعل ولماذا، وبذلك تختفي ضرورة البرهنة على وجوده بأساليب الفلسفة المعتادة لكونه غير محدد أصلاً ويستحيل أن نعلمه. على هذا الأساس، يفترق إله ما بعد الحداثة عن إله الحداثة. فبينما إله الحداثة محدد، إله ما بعد الحداثة غير محدد. وبينما دين الحداثة محدد، دين ما بعد الحداثة غير محدد (المرجع السابق). طبعاً، تدافع كارن أرمسترونغ عن ديانة ما بعد الحداثة. والأسباب وراء ذلك عديدة منها ان المعرفة نسبية وليست مطلقة ويقينية، وهذا ما يوضحه تاريخ العلم فالنظريات العملية تستبدل بأخرى بشكل دائم. من هنا، الدين أيضا لا يقدّم يقينيات بل الدين هو ما نفعل بدلا مما نعتقد. لذا إله ما بعد الحداثة غير معرّف وغير محدد. كما أن النص الديني نص رمزي وبذلك قابل لتأويلات مختلفة. من هنا الدين غير محدد ما يتضمن لا محددية الله أيضا (المرجع السابق). بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المحدد ما هو الله، لكن من خلال لا محدديته من الممكن معرفته، وهذا ما يصدق على النص الديني ايضا. هكذا تختلف هنا السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. فبالنسبة الى الحداثة، الله محدد وبذلك من الممكن معرفته، بينما تعتبر ما بعد الحداثة ان الله غير محدد وبذلك من غير الممكن معرفته. لكن السوبر حداثة تقول انه رغم لا محددية الله من الممكن معرفته. مثل ذلك التالي: بما ان الله غير محدد، إذن من المتوقع ان يخلق كوناً غير محدد، وبالفعل الكون كذلك. هكذا من خلال لا محددية الله نستطيع معرفة انه خلق كوناً غير محدد، وبذلك تجمع السوبر حداثة بين اللا محدد المعرفة. طبعاً، نسلّم هنا بأن الله موجود من أجل أن نتناقش تماماً كما نسلّم بأن الكون موجود، فثمة نظرية علمية مثيرة تقول إن الكون مجرد وهم.







لا محددية التكنولوجيا.. لا محددية العلم


دبليو برين آرثر: "طبيعة التكنولوجيا"

لا محددية التكنولوجيا.. لا محددية العلم


حسن عجمي
نرصد في هذا المقال طبيعة التكنولوجيا والعلم لنرى صعوبة تعريفها. تدل هذه الصعوبة على أنه من غير المحدد ما هي التكنولوجيا كما من غير المحدد ما هو العلم. ولا محدديتهما فضيلة لهما. فلو أنهما محددان لتم سجن العلماء في تكنولوجيات وعلوم محددة، ما يؤدي الى عدم إنتاج تكنولوجيات وعلوم جديدة. وهكذا فلا محددية التكنولوجيا والعلم تدفع بهما نحو التجدد المستمر والتطور الدائم.تعريف التكنولوجياتحتل التكنولوجيا مكانة مرموقة في سلّم الوجود. فأي مجتمع يتكوّن وفق تكنولوجياته التي من دونها يفقد وجوده أصلاً. وكل حضارة معرّفة ومعروفة من خلال ما أنتجت من تكنولوجيا، لأن التكنولوجيا نتيجة مباشرة للعلوم التي تصوغها البشرية. من هنا، من غير الممكن الفصل بين الإنسان والمجتمع والحضارة من جهة والتكنولوجيا من جهة أخرى. هكذا لا بد من تحديد ماهية التكنولوجيا كي نعرف ما هي وإلا نكون قد خسرنا معارف عدة حول من نحن وكيف نتطور. فالأبحاث الاجتماعية أكدت على دور التكنولوجيا في تطور الإنسان ومجتمعه؛ نحن نتطور مع تطور تكنولوجيتنا والعكس دوماً صحيح. تغزو التكنولوجيا كل الميادين والحقول التي نحيا فيها وبها. فمثلاً، الاقتصاد ليس سوى تنظيم ماهر للتكنولوجيات من أجل تلبية حاجاتنا. وينمو الاقتصاد من التكنولوجيا؛ من هنا، من المستحيل تخيل مجتمع أو اقتصاد من دون تكنولوجيا. بالإضافة الى ذلك، العلم يعتمد على التكنولوجيا و العكس صحيح أيضاً؛ هذا غير مستغرب لأن التكنولوجيا تُبنى على أساس علومنا، كما أن العلوم تُخلَق بفضل تكنولوجيتنا فإذا امتلكنا تكنولوجيا متطورة، فهذا يساعد العلماء أكثر في دراسة الكون وتطوير العلوم. على ضوء هذه الاعتبارات، يقول دبليو بريان آرثر إنه لا بد من تعريف ما هي التكنولوجيا من أجل أن نحقق معرفة أكبر بالأبعاد الإنسانية المختلفة (W. Brian Arthur: The Nature of Technology. 2009. Free Press).التعريف التقليدي للتكنولوجيا هي أنها مجرد تطبيق للمعرفة العملية من أجل تحقيق هدف إنسان محدد. لكن آرثر يرفض هذا التوصيف لأسباب عدة منها أنه في التاريخ البشري الماضي نشأت تكنولوجيات رغم قلة المعارف العملية. كما أن المعرفة العلمية بالنسبة إليه، تتضمن بالضرورة التكنولوجيا، وبذلك فإن العلم، لدى آرثر، معرّف من خلال التكنولوجيا. من هنا، إذا حلّلنا التكنولوجيا من خلال المعرفة العلمية وتطبيقها، وبما أن المعرفة العلمية محلّلة من خلال التكنولوجيا، إذن نكون قد حلّلنا التكنولوجيا من خلال التكنولوجيا ذاتها، وهذا دور مرفوض كتعريف الماء بالماء. لذا يرفض آرثر التعريف التقليدي للتكنولوجيا. وعلى هذا الأساس، ينطلق في رحلة استكشافية نحو الوصول الى تعريف مقبول لمفهوم التكنولوجيا وطبيعتها.يتطور تعريفه للتكنولوجيا كلما تقدمنا في قراءة كتابه "طبيعة التكنولوجيا". يبدأ بتعريفه الأولي على النحو الآتي: التكنولوجيا وسيلة من أجل تحقيق هدف إنساني. فالتكنولوجيا هي مجموعة الآليات المتاحة لجماعة ما والتي بفضلها تحيا وتستمر في البقاء. ووظيفة كل آلية كامنة في التحكم بشيء ما وحسبانه وتحويله الى شيء آخر. فالتكنولوجيات وسائل إنتاج. فمثلاً، الراديو يقوم بحسبان الإشارات ومن ثم ينقيها الى أن يحوّلها الى أصوات.لكن آرثر لا يكتفي بهذا التعريف، بل يطوّره من دون أن يلغيه، وذلك على النحو الآتي: التكنولوجيا هي التقاط ظاهرة طبيعية ووضعها في الاستخدام. بمعنى آخر، التكنولوجيا استغلال لظاهرة واستعمالها من أجل تحقيق هدف ما أو أهداف معينة. وبذلك، التكنولوجيا برمجة للظواهر الطبيعية من أجل أهدافنا. فمثلاً، إشارات الراديو العالية تؤدي الى نشوء صدى متى اصطدمت بالأشياء المعدنية. هذه ظاهرة طبيعية. لكن استخدام هذه الظاهرة من خلال إرسال إشارات نحو السماء واكتشاف صدى تلك الإشارات متى احتكت بالطائرات يشكل مبدأ وينتج الرادار. بكلام آخر، الرادار هو استخدام لظاهرة الإشارات الراديوية وصداها من أجل تحقيق هدف لنا، ألا وهو اكتشاف الطائرات التي تعلو فوق مقدرتنا على إبصارها. بالإضافة الى ذلك، بينما التكنولوجيا استغلال للظواهر الطبيعية من أجل مصالحنا، العلم بالنسبة الى آرثر هو منهج لفهم الكون وتفسيره. فالعلم كما يقول هو مجموعة معارف لفهم العالم من خلال المشاهدة والتفكير والتخيل وطرح الفرضيات. يدفع آرثر بتعريفه هذا نحو اتجاه محدّد مفاده أن العلم أيضاً شكل من أشكال التكنولوجيا. هذا لأن العلم وسيلة لتحقيق أهداف معينة هي الفهم والمعرفة والتفسير والتنبؤ بالظواهر الطبيعية تماماً كما أن التكنولوجيا هي وسيلة لتحقيق أهدافنا.لا محددية التكنولوجياتعاني نظرية آرثر في التكنولوجيا من مشاكل مدمرة. بالنسبة الى تعريفه الأولي: "التكنولوجيا وسيلة من أجل تحقيق هدف إنساني". لكن العقول واللغات هي وسائل من أجل تحقيق أهداف إنسانية؛ فبالعقل نحدّد أهدافنا ونسعى الى تحقيقها وباللغة نتواصل ونعبّر عما يوجد في العالم، أي أن اللغة أيضاً وسيلة من أجل تحقيق هدف إنساني، هو التواصل والتعبير. من هنا، إذا كانت نظرية آرثر في التكنولوجيا صادقة، إذن العقول واللغات هي تكنولوجيات أيضاً. لكن الحقيقة هي أن العقول واللغات ليست تكنولوجيات. وبذلك فإن تحليل آرثر للتكنولوجيا تحليل خاطئ. أما إذا كانت التكنولوجيا مجموعة آليات تتحكم بالأشياء وتحسبها وتحوّلها كما يقول آرثر متعمقاً في تحليله، ففي هذه الحال، العقل أيضاً هو تكنولوجيا؛ فالعقل يحسب المعلومات وبفضله نتصرف ونفعل ونتحكم بأشياء عدة ونحوّلها، كما نحوّل معتقداتنا الى أفعال ونحوّل محيطنا الطبيعي كي يناسبنا ويفيدنا. لكن بالطبع، العقل ليس تكنولوجيا. من هنا، يفشل أيضاً تحليل آرثر للتكنولوجيا.من جهة أخرى، بالنسبة الى تعريف أرثر الأكثر تعقيداً، التكنولوجيا هي التقاط للظواهر الطبيعية وبرمجتها واستعمالها، بل استغلالها، من أجل تحقيق أهدافنا. لكن الظواهر الطبيعية تستغل بعضها البعض من أجل أن تبقى؛ فمثلاً النباتات تستغل التربة لتنمو وتحيا بينما الإنسان يستغل محيطه الطبيعي ليحقق هدفه في البقاء. من هنا، تغدو الظواهر الطبيعية كالنباتات والإنسان تكنولوجيات معينة. وبذلك لا ينجح تحليل آرثر في تمييز التكنولوجيا عما ليس بتكنولوجيا رغم أن هذا هو المطلوب من أي تعريف للتكنولوجيا. من هنا، يسقط تعريف آرثر للتكنولوجيا في مشكلة قاتلة. بالإضافة الى ذلك، إذا كانت التكنولوجيا برمجة للظواهر الطبيعية واستغلالها من أجل تحقيق أهدافنا، إذن العقل البشري تكنولوجيا أيضاً لأننا نبرمجه ونستغله. وهذه نتيجة كاذبة، فالعقل ليس تكنولوجيا. وبذلك يتهافت تحليل آرثر للتكنولوجيا.نحن نبرمج عقولنا من خلال ما ندرس ونتعلم ونفكر ونرى إلخ.. ونستغل عقولنا من أجل الوصول الى أهدافنا. وبذلك من الخطأ تحليل التكنولوجيا من خلال برمجة الظواهر واستغلالها، ما يشير بقوة الى انهيار تعريف آرثر للتكنولوجيا. وهذا يدفعنا الى اعتبار أن ماهية التكنولوجيا غير محدّدة كما تؤكد على ذلك "السوبر حداثة". فبما أنه لا يوجد تحليل مقبول للتكنولوجيا، إذن لا نستطيع تحديدها حقاً وبذلك من غير المحدّد ما هي التكنولوجيا.لا يوجد تحليل مقبول للتكنولوجيا للسبب الآتي: ثمة طريقتان فقط كي نعرّف التكنولوجيا فإما أن نعرّفها من خلال علاقتها بنا وبمحيطها الطبيعي وهذا ما قام به آرثر ولقد وجدنا فشل هذا الاتجاه، وإما أن نعرّف التكنولوجيا من خلال صفاتها الذاتية المستقلة عنا وعن العالم المحيط بنا وبها فسيفشل تحليلنا على الفور. هذا لأن التكنولوجيا مرتبطة بنا وبالعالم بالضرورة. فنحن من نصنعها ونستعملها ومن دون استخدامنا لها وتأثيرها في العالم سوف تخسر وظيفتها. ولا وجود لتكنولوجيا مجردة لأن التكنولوجيا تتضمن بالضرورة استخدامنا لها وتأثيرها في العالم. من هنا، لا يوجد تحليل مقبول للتكنولوجيا ما يشير الى لا محدديتها.لا محددية العلم.. وكما يتهاوى تحليل آرثر للتكنولوجيا يواجه تحليله للعلم مشكلة مدمرة أيضاً. بالنسبة الى آرثر، العلم هو منهج لفهم الكون وتفسيره كما أنه مجموعة معارف لفهم العالم من خلال المشاهدة والتخيل والتفكير إلخ. لكن هذا التعريف للعلم يقع في الدور المرفوض منطقياً ما يدل على فشله. والدور هو تعريف الشيء بالشيء نفسه كتعريف الماء بالماء. فإذا كان العلم منهجاً لفهم وتفسير الكون، إذن لا بد أن يكون منهجاً علمياً وإلا كان مثلاً منهجاً أدبياً أو جمالياً إلخ. من هنا، يحلّل آرثر العلم من خلال المنهج العلمي وبذلك يحلّل العلم من خلال مفهوم العلم ما يدل على وقوع تحليله في الدور المرفوض. أما إذا كان العلم معارف لفهم العالم، إذن لا بد أن تكون هذه المعارف معارف علمية وأن يكون فهم العالم من خلالها فهماً علمياً وإلا كانت معارف غير علمية مرتبطة بفهم غير علمي فنكون قد حلّلنا العلم من خلال اللاعلم وهذا خطأ. لكن إذا كان العلم معارف علمية وفهماً علمياً للعالم، نكون حينها قد حلّلنا العلم من خلال العلم فوقعنا في الدور المرفوض. من هنا، لا ينجح آرثر في تعريف العلم ما يدعم موقف السوبر حداثة القائل بأن العلم غير محدد، تماماً كالتكنولوجيا. فلو نجح التعريف السابق للعلم لحدد العلم، لكنه لم ينجح، وبذلك على الأرجح العلم غير محدد.أما الدليل القاطع على لا محددية العلم فهو الآتي: يرينا الفيزيائي لي سمولن أن العلماء منقسمون الى فريقين. الفريق الأول يعتبر أن نظرية الأوتار نظرية علمية وبذلك يقبلون بها ويعملون على ضوئها، أما الفريق الثاني فيصرّ على لا علمية نظرية الأوتار فيرفضونها. بالنسبة الى نظرية الأوتار، يتكوّن الكون من أوتار وأنغامها؛ فمع اختلاف ذبذبات الأوتار تختلف مواد الطبيعة وطاقاتها. هذه النظرية تقدّم صورة بسيطة وجميلة عن الكون وتوحّد بين المواد المختلفة والطاقات المتنوعة من خلال اعتبار أن كل المواد والطاقات مجرد أوتار وذبذباتها. وعلى أساس "جمال" هذه النظرية يقبل العديد من العلماء بها. لكن، من جهة أخرى، يرفض علماء آخرون هذه النظرية لأنها لا تتنبأ بأي شيء جديد وبذلك يستحيل إختبارها، أي تكذيبها، أو تصديقها، ولذا يعتبرونها غير علمية (Lee Smolin: The Trouble with Physics. 2006. Houghton Mifflin Harcourt).هذا يشير الى أن العلم غير محدد تعريفاً. وبما أن العلماء منقسمون حول ما إذا كانت نظرية الأوتار نظرية علمية أم لا، فهم مختلفون إذاً، حول ما هو علمي وما هو ليس بعلم. والعلماء هم الخبراء في هذا المجال. بذلك من غير المحدد ما هو العلم وما الذي يجعل النظريات علمية.